الأربعاء، 16 يناير 2019

مسار العقل من الجهل الى المعرفة



في إحدى المرات سألني أحد الإصدقاء عن أولئك المثقفين، هل هم يحفظون كل مايكتبون أو يتحدثون به من معارف ومعلومات ! في الواقع كان سؤالاً ظريفاً ولكنه منطقيا فلو تمعنا قليلا لوجدنا أن العلم والمعرفة لم تبدأ إلا بطرح الأسئلة ، بالطبع إن عملية حصد المعلومات وتكوين المفاهيم واستنتاج الآراء المبنية على حجج منطقية  هي عملية مختلفة كثيراً عن التعليم المنهجي في المدارس والجامعات ، فالأمر لا يتطلب منك أن تحبس نفسك بالساعات في غرفة منطوياً على نفسك مجبرها على تكرار جمل وكلمات وترديدها كتعويذات لتبقى خالدة في رأسك أو على الأقل حتى يحين وقت استخراجها في امتحان تحت ضغط نفسي في مدة  زمنية محددة قد لا تكون فيها في مزاج جيد لعصر دماغك والجلوس محاولاً اثبات كم انت شخص ذكي و ذو ذاكرة قوية ، لا الأمر تماماً ليس هكذا، ببساطة هذة الخطوات قد تختصر مسار تحول عقلك من جاهل فارغ إلى عارف ومتعلم .

الفضول:
هنا أنت تتلقى معلومات من اختيارك كتاب أحببته أو مقال شد فضولك أو عالِم آسرك بعلمه أو أديب جذبك فكره ، أنت مصغي تماما لأنك ترغب بذلك لأنك مستمتع لأنك تشعر بالذهول وبالرغبة في معرفة المزيد ، تبحث بنفسك وتقرأ بنفسك بدون مراقبة وإشراف وبدون دفع وإجبار ، وحده فضولك وشغفك وميولك الذي يقودك .

التكرار:
وهكذا ستجد نفسك منساقاً لنوع واتجاه معين من الحقول المعرفية  تتصفحها على الإنترنت تقرأ مقالات وكتب عنها، نلاحظ أن العلوم والمعارف مترابطة ومتقاطعة ومتأثرة إحداها بالأخر فالمعلومات ستبدأ بالتكرار حتى تصبح مألوفة عليك ويستطيع عقلك استيعابها بمرونة ووضوح ، وإن كنت قد نسيتها يوما ستتذكرها في وقت آخر بسهولة أو بمجرد قراءة سريعة حتى ولو كانت آلية عمل الجهاز العصبي .

التوسع :
فضول ورغبة ثم حب استطلاع ثم قراءة و تفكر هي عملية تامة لتحولك من شخص جاهل بسيط إلى إنسان ذو خلفية معرفية جيدة مع ذلك هنا تحدث عملية التوسع، ستجد أنك بالفعل تعرف عن هذا وذاك ولكنك تريد معرفة المزيد ثم المزيد وهنا إن أطلقت العنان لنفسك ستجد نفسك أكثر إطلاع من ذي قبل لأمور ربما لم تخطر على بالك أنها ستهمك أو ستشدك ، وأحياناً تجد نفسك ضليع بموضوع معين و على دراية تامة أو شبه تامة به وهو مايوازي الدراسات الأكاديمية العليا ، بالنسبة لي لم أصل الى هذة المرحلة بعد ولكني بالفعل قابلت أشخاص هكذا .

التفكر :
لن أبالغ إن قلت أن هذة الخطوة هي الأهم من كل ماسبق، بل برأيي هي أهم من المعرفة نفسها لأنها ببساطة هي الطريق المؤدي إليه، إن العلم والمعرفة هي طريقتنا للفهم والتواصل مع العالم ومحاولة حل مشكلاتنا الحالية والمحتملة وهو أمر لا يبدأ إلا بطرح الأسئلة مثل كيف ولماذا وماذا والتفكير فيها ، ثم محاولة التوصل إلى أسباب ونتائج وبناء آراء منطقية الحجج خالية من التحيز أيا كان، بالطبع ليست كل المعارف متاح فيها بناء الآراء فالحقائق العلمية مثلا بحاجة إلى براهين وليس مجرد آراء ،التفكير المتواصل في أمر معين يجعل عقلك أكثر استيعاب وإدراك وقدرة على الحوار عن الفكرة أو المعلومة وشرحها بوضوح وسهولة ، التلقي لوحده والاطلاع ل ايصنعان أبدا مثقفا، فكما أردد دائماً ، ليس كل قاريء مفكر وليس كل مفكر قاريء .

الشك وعدم اليقين :
برأيي العقل السيلم الصحي هو العقل المشكك الغير متيقن، فكما قالها توفيق الحكيم في كتابه التعادلية : عدم الشك هو شلل العقل، الشك لا يعني أن يكون شخص ما موسوساً بمدى مايعرفه ومايعيشه، بل هو المرونة في تقبل التغيّر وعدم أخذ الأشياء كمسلمات مطلقة الصحة لا جدال فيها ولا خلل، فالعلوم والمعارف هي ليست إلا  محاولة الإنسان لفهم الكون والطبيعة ونفسه، وهذا الفهم متغير ومتبدل قليلا كان أو كثيرا على مر الأزمان وبحسب تغير الأدوات والمعطيات فمثلاً يوم ما كان المفكرين القدماء مؤمنين بمركزية الأرض وأن كل ماحولها يدور حولها إلى أتى علماء آخرون وغيروا كل تلك الأفكار مواجهين لوم وسخط المتشبثين بأفكارهم . الشك وعدم اليقين يساعد الفرد على تلقي المعلومات بشعور أقل تحيز وإندفاع وتطرف ، مما سيساهم بشكل أو بآخر على سهولة إيجاد حلول للمشكلات العلمية والمعرفية والإجتماعية أو حتى المشكلات الناتجة عن قلة الوعي والثقافة وماهو متعلق بها ، بالطبع هذا الأمر نسبي ولكنه فعّال .


العلم والمعرفة أساس الحياة البشرية فبهما يرتفع الوعي الاجتماعي وتتحسن الحياة المعيشية ليس لجيل فقط بل لأجيال متتابعة ، ويتحسن بهما الحوار واحترام الثقافات المختلفة واحترام الاخر وتنعكس الفائدة على الإنسان ذاته في اختياراته وقراراته فالتأثير مباشر وغير مباشر ولكنه حتما ايجابي إن أُحسن استخدامه .

هناك تعليقان (2):

جميع الحقوق محفوظة ©

WonderWall

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *